د. ميسون تليلان السليم

26-02-2025 10:17 A

في المشهد السياسي الأردني، تبدو الأحزاب وكأنها تخوض اختبارًا غير مكتمل. فمن ناحية، هناك دعم تشريعي واضح يسعى إلى تمكينها، ومن ناحية أخرى، لا تزال ثقة المواطن بها ضعيفة، وكأنها لم تخرج بعد من إطار الوجود “الشكلي” إلى التأثير الحقيقي. ولعل السؤال الأهم هنا ليس حول مدى قدرة الأحزاب على التكيف مع القوانين الجديدة، بل حول مدى جديتها في استثمار هذه الفرص لتحقيق إصلاح سياسي يعكس طموحات الشارع الأردني، لا مجرد التماهي مع النصوص القانونية.

ليس سرًا أن الإصلاحات السياسية الأخيرة، وعلى رأسها قانون الأحزاب الجديد، قدمت للأحزاب بيئة حاضنة غير مسبوقة. فتخصيص 41 مقعدًا للأحزاب، ووضع النساء في مقدمة القوائم الانتخابية، ورفع نسبة تمثيلهن إلى مستويات غير معهودة، ليست مجرد قرارات عابرة، بل تعكس رؤية ملكية واضحة بأن الحياة الحزبية يجب أن تتجاوز مرحلة الجمود. ومع ذلك، يبقى السؤال معلقًا: هل استثمرت الأحزاب هذه التعديلات لبناء قاعدة جماهيرية حقيقية، أم اكتفت بمراكمة المكتسبات السياسية دون تقديم مشروع وطني متكامل؟.

التحدي الأكبر لا يكمن في القوانين بحد ذاتها، بل في قدرة الأحزاب على إعادة تعريف دورها، بحيث لا تكون مجرد منصات للوصول إلى السلطة، بل أدوات للتغيير الحقيقي. فالمواطن الأردني، حتى هذه اللحظة، لم يجد مبررًا حقيقيًا للانخراط في العمل الحزبي، إذ ما زالت الصورة النمطية عن الأحزاب بأنها نادٍ مغلق للمتنفذين قائمة. هذا الواقع يفرض على الأحزاب مسؤولية مزدوجة: الأولى هي كسب ثقة الشارع عبر برامج فعلية تعالج القضايا المعيشية، والثانية هي إثبات أنها قادرة على تجاوز إرث المراحل السابقة، حيث كانت الأحزاب مجرد عناوين بلا تأثير ملموس.

لا يمكن تجاهل أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة تشكل تحديًا إضافيًا. فالمواطن العادي لا يعنيه كثيرًا كيف تُوزَّع المقاعد الحزبية، بقدر ما يهمه ما إذا كانت هذه الأحزاب ستتمكن من تقديم حلول واقعية لمشكلاته اليومية. وهنا بالضبط يُختبر دور الأحزاب؛ فإن لم تستطع تقديم إجابات واضحة حول البطالة، وغلاء المعيشة، وتحسين الخدمات، فإن أي حديث عن الإصلاح السياسي سيظل نظريًا ومجرد حبر على ورق.

إصلاح الحياة الحزبية لا يعني فقط تغيير القوانين، بل إعادة بناء الثقة بين المواطن والأحزاب. وهذا لن يتحقق ما لم تتبنَّ الأحزاب منهجًا جديدًا في العمل السياسي، قائمًا على القرب من الناس، والابتعاد عن الخطاب الفضفاض، والالتزام ببرامج سياسية واقتصادية واضحة وقابلة للتنفيذ. عندها فقط، يمكن الحديث عن تجربة حزبية حقيقية، لا مجرد تغيير في الشكل دون المضمون.

الروابط الأخبارية :

المرونة السياسية في الأردن: بين التشريع والممارسة | مقالات مختارة | وكالة عمون الاخبارية