إن صناعة الشخصية القوية من منابت الأسرة أولا هي عوامل متفرقة، تتعرض للفرد في حياته العامة، ويتأثر بها تكوينه النفسي إلى حد كبير منها مركز الفرد في الأسرة، كأن يكون الطفل الأكبر لأسرته أو الوحيد فيها، أو الأوسط، أو الأصغر، وقد يكون الذكر بعد عدة إناث أو الأنثى بعد عدة ذكور، أو الطفل الذي يولد بعد عدة وفيات من أخوته وإخوانه، أو بعد فترة طويلة من عدم الإنجاب، فقد يكون الطفل المفضل الأثير في الأسرة، أو يكون الطفيلي الدخيل عليها، ففي الحالة الأولى يظفر بكثير من امتيازات الأسرة، وفي الحالة الثانية يكون عبئا ثقيلا أو إنسانا غير مرغوب فيه.
هذه الأمور تؤثر تأثير إيجابية أو سلبية في شخصية الفرد وعمله على نمط من التصرفات أو النظرة للأمور تختلف عن نظرات الآخرين الذين لم يتعرضوا لمثل هذه العوالم وضغوطاتها، كما أن قلة خبرة الوالدين بتربية الأطفال لكونهما حديثي عهد بالزواج وما ينجم عنهما من تصرفات متطرفة إزاء أطفالهما، خاصة تجاه الوليد الأول، باعتباره الطفل الأول لتجربتهما وعدم استعدادهما الكافي لمواجهة التغير الطاريء على نظام الأسرة جراء المولود الجديد، يحمل الوليد الأكبر تبعات وآثار نفسية جسيمة كما أن بقاء الطفل الأكبر لوحده سنوات عديدة نتيجة لعدم ميل الوالدين في إنجاب أطفال آخرين الأسباب اقتصادية واجتماعية، يحرمه من فوائد الزمالة والتنافس والأخذ والعطاء مع أخوة له يقاربونه في السن.
وفي حالة إنجاب طفل ثان وثالث يغتصب الجديد اهتمام أبويه ويحمل الأولاد الكبار مرارة تحول عواطف ورعاية الوالدين إلى غيرهم، مما يزرع في نفوسهم عدم الثقة والاطمئنان في مواقفهم الاجتماعية اللاحقة.
لقد أجرى فريق علماء النفس الإكلينيكي (العيادي) دراسات وافية لمعرفة ما يترتب على مركز الطفل في الأسرة من آثار في تكوينه النفسي فوجدوا إن مركز الطفل ليس إلا عاملا من عوامل أخرى أكثر أهمية تؤثر في شخصيته. إن مركز الطفل قد يكون ميزة له، أو كارثة عليه، أو قد لا يكون ذا أهمية له والأمر كله مرهون بموقف الوالدين منه، والجو العام الذي يسود الأسرة، إن نفس المشاكل السلوكية تعرض للأطفال في كل مركز يحتلونه وبنفس النسبة ليس هناك ارتباط ثابت بين مركز الطفل وسمات شخصيته وهو راشد.
لقراءة المقال في جريدة الدستور