متابع السياسات الأردنية ومسيرة الحكومات المتتالية على مدى العقدين الأخيرين، لا يجدُ أدنى شك في أنّ الأردن بدأ عملية إعادة هيكلة جذرية وشاملة لشؤون المرأة، من خلال خطوات ثابتة نحو ردم الفجوة الاجتماعية بين الجنسين سواء على الصعيد التشريعي أم على صعيد تمكين المرأة في السلطة التنفيذية والقضائية والسعي للقضاء على كل أشكال التمييز الوظيفي والاجتماعي بين الجنسين وغيرها الكثير، وقد جاء التقرير الوطني حول تقدُّم المرأة الأردنية مفصلا لهذه الانجازات، بل وإنّ تأسيس اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة عام 1992 كآلية وطنية للنهوض بوضع المرأة في الأردن يعدُّ بحد ذاته انجازا وخطوة مهمة على الطريق الصحيح.

المفارقة المثيرة للاهتمام هي أنّه و رغم كل الانجازات على الأرض الا أن ترتيب الأردن وفقاً لتقرير الفجوة الجندرية للعام 2018 جاء مخيبا للتطلعات إذ احتل الأردن المرتبة 138 من أصل 149 دولة شملها التقرير، فوفقا للتقرير استطاع الأردن ردم ما نسبته 60.5% من الفجوة بين الجنسين، أما المرتبة الأولى عالميا فاحتلتها أيسلندا اذ استطاعت حسب التقرير ردم ما نسبته 85.8% من الفجوة بين الجنسين. هذا التقرير يدفعنا لاعادة النظر في كل معطيات المعادلة الوطنية للرقي بواقع المرأة الأردنية، لأن الرقي بواقع المرأة الأردنية يعد مصلحة وطنية عليا، لما للعدالة الاجتماعية من انعكاسات مهمة على التنمية الوطنية الشاملة.

بالنظر الى تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين وترتيب الأردن فيه، وفي محاولة للوقوف على أسباب تأخر الأردن وفقا لهذا التقرير نجد أنّ التقرير اعتمد على أربعة معايير أساسية في التصنيف، المعيار الاقتصادي والتعليمي والصحة والسياسي.

بالنسبة للمعيار الاقتصادي فقد كان له الأثر الأكبر في تصنييف الأردن المتأخر، اذ احتل الأردن وفقا لهذا المعيار المرتبة 144 عالمياً (من أصل 149) بمؤشر 37.5%، وبمحاولة للوقوف على أسباب تعثر المرأة اقتصاديا في الأردن نجد مجموعة من العوامل تحتاج لمقال منفصل لتناولها، لعل أهمها العامل المجتمعي المتمثل بثقافة العيب وثقافة الزام المرأة بيتها و حصر دورها المجتمعي في بناء الأسرة وعامل تفضيل الذكور على الاناث من أرباب العمل نظراً لإجازات الأمومة وغيرها، ومؤشر تساوي الأجور بين الجنسين لنفس المهن، والتشريعات المرتبطة بهذا الشأن، إذ أن نسبة الاناث غير الناشطات اقتصادياً بالنسبة لإجمالي السكان في سن العمل 85.3% مقارنة ب 36.5% للذكور.

أما بالنسبة للمعيار التعليمي فقد جاء يعكس مدى اهتمام الأردن في مجال التعليم وعدالة التعليم للجنسين، إذ تقدم الأردن وفقاً لهذا المعيار على الكثير من الدول، حيث احتل الأردن المرتبة 45 عالمياً (من أصل 149) بمؤشر 99.8%، وهذا في الحقيقة مدعاة للفخر وناتج حصاد عملية طويلة من إعادة الهيكلة التعليمية وهيكلة شؤون المرأة كما ذكرنا سابقاً.

أما بالنسبة إلى معيار الصحة، فلقد احتل الأردن المرتبة 102 عالمياً (من أصل 149) وفقاً للتقرير بمؤشر 97.1% وهي نسبة عالية، وترتفع مع تطور القطاع الصحي بشكل عام.

بالنسبة للمعيار السياسي، فلقد كان له أيضاً أثر كبير في تصنيف المتأخر للأردن وفقاً لهذا التقرير، فلقد احتل الأردن المرتبة 129 عالمياً (من أصل 149) بمؤشر 7.5%، حيث لعبت النسبة المنخفضة عالمياً للمشاركة النسائية البرلمانية والوزارية الدور الأكبر في خفض هذا المؤشر. مع أن الفترة الأخيرة شهدت تحسنا واضحا في هذا المجال، فلقد شاهدنا و نشاهد المرأة الأردنية نائباً في البرلمان وعيناً ووزيراً، وليس من البعيد مع ازدياد تعليم المرأة في الأردن ونهضة حقوقها و قدرة المرأة الأردنية على الابداع في العمل والتجارب العملية التي لمسها الأردنيون على أرض الواقع من قصص نجاحات نسائية كثيرة أن نراها رئيسا لمجلس النواب أو الأعيان أو حتى للوزراء. إلا أن الحاجة لتطوير العوامل المفضية لإفراز نخبة سياسية نسوية أردنية فاعلة حاجة ماسة وبحاجة لتغييرات جذرية بدأها الأردن من المحور التعليمي مروراً بالتشريع و أخيراً وليس آخراً بالتمكين. بناء على ما سبق، نستنتج أن المجالات الأكثر حاجة للنهوض بوضع المرأة الأردنية هي المجال الاقتصادي والسياسي.

رؤية القيادة الأردنية لمستقبل المرأة والاجراءات الحكومية المتخذة تعكس رغبة جامحة وحقيقية في الوصول إلى عدالة اجتماعية مبنية على المساواة بين الجنسين، رغم كل التحديات الاجتماعية والثقافية، أضف إلى ذلك التحديات السياسية والاقتصادية، إذ أن موقع الأردن جغرافياً واقتصادياً أثقل كاهل السياسة الأردنية بعقبات عديدة في مختلف المجالات، وبحمد الله أثبتت السياسة الأردنية حنكتها في التغلب على هذه العقبات الصعبة نحو ازدهار شامل المحاور.

باعتقادي آن الآوان لوضع استراتيجية وطنية بمهمات محددة مرتبطة بجدول زمني وأولويات نحو ردم الفجوة بين الجنسين والنهوض بواقع المرأة الأردنية.

لقراءة المقال في جريدة الرأي

لقراءة المقال في موقع عمون