الصلاحيّات الممنوحة لمجلس النوّاب إذا ما استُغلّت بالشكل الصحيح تُشكّل قوّة كبيرة قادرة على توجيه العمل الحكومي بالمسار الذي يحدده مجلس النوّاب، وقادرة على اخضاع أي مؤسسة حكومية أو غير حكومية للشروط التي يشرّعها المجلس. وهنا مربط الفرس.

غياب أو ضعف الفكر المُمنهج والمؤسسي التعاقبي في العمل النيابي أضعف صلاحيات المجلس الفعلية وفي كثير من الأحيان جرّد المجلس من وزنه الثقيل دستوريا. عندما نرى نوّاب مجتهدين بين الفينة والأخرى يلهثون وراء الحقيقة وبكل شجاعة يطرحون قضايا المال العام تحت القبّة ترى الشعب الأردني يساند المجلس ويشدُّ على يديه، ولنأخذ مثلا جدليّة الرواتب الحكوميّة المرتفعة والتي ظهرت في العقد الأخير على شكل فقاعات اصلاحية هنا وهناك؛ نائب أو أكثر يتحصلون على معلومات عن رواتب حكومية في مؤسسة ما فيشكلون لجان تحقيق و تخرج القضية للرأي العام، هذا بالطبع أمر ممتاز و ديموقراطي بامتياز ولكن السؤال المهم هو هل اتخذ مجلس النوّاب خطوات تشريعية لمعالجة هذه الظاهرة من جذورها أم أنّ العمل اقتصر على فقاعات اصلاحية هنا و هناك بين الفينة والأخرى؟

الإنحاز الحقيقي هو وضع منهج قانوني يعالج كل الحالات المشابهة ولا يكون بمعالجة حالات فردية سقطت تحت المجهر. فلو أنّ مجلس النوّاب تقدّمَ بمشروع قانون يفرض على المؤسسات الحكومية أو التي تعتمد في موازنتها على خزينة الدولة تقديم كشف سنوي بأجور الموظفين الذين يتقاضون أجرا سنويا يزيد –على سبيل المثال- عن( 60 ) ألف دينار أردني على شكل رواتب أو حوافز أو مكافأت أو تحت أي مسمى آخر بحيث يطّلع جميع النوّاب على هذا الكشف ليتسنى لهم السؤال أين ما لزم الأمرعن الرواتب المرتفعة لكان هذا عملا ممنهجا جذريا، ولكان هذا حلا جذريا لهذه الظاهرة، وهذه هي الطريقة الأنجع في المحافظة على المال العام.

الجدير بالذكر هنا أنّ المصلحة الوطنية تكون في انصاف الخبرات العلمية والعملية والتي تستحق أجرا يتناسب مع مقدار عطاءها و أثره، ونحن لا نحارب هذه الحالات، بالطبع يوجد من يستحق الأجور المرتفعة لأنّ أثر ما يقدمه يتناسب مع الأجر المُعطى، ولكن هذه حالات استثنائية وقليلة جدا ، وعلى مجلس النوّاب الواعي دراسة كل حالة على حدى بموضوعية علمية و عملية و دراسة الأثر الاقتصادي وتقرير ما اذا كان الأجر مناسب أم لا، فالهدف هو منع ما يُعطى بغيرحق لمن لا يستحق وليس محاربة أي راتب مرتفع.

المصلحة الوطنية تقتضي عملا نيابيا ممنهجا يفرزحلولا شاملة وجذرية عوضا عن فقاعات اصلاحية.

لقراءة المقال في موقع عمون