لقد أظهر العدوان الأخير على غزة وتكالب الكثير عليها أساليبا حربية كثيرة استخدمت ضد غزة يجب علينا كأمة عربية أخذها بجدية والتحضير لمواجهتها منذ الآن، لأنه لا يمكن التصدى لهذه الأساليب بشكل آني وفوري وفردي، إذ أن التحضير لها يستغرق سنوات وعقودا ليكتمل، ويتطلب مجهود أمة وتظافرها وليس دولة، ومن هذه الأساليب الكثيرة أسلوب الحرب الرقمية، حرب لمسنا فيها جبروت الخوارزميات الرقمية، وقوة المدافع الإعلامية، وسطوة المضادات البروباغندية، ناهيك عن الأساليب التي لم تستخدم بعد في هذه الحرب، إنما شاهدناها في حروب أكبر مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي استخدمت فيها خلافا لما سبق خنادق الحصار الرقمي من حظر لأنظمة التعاملات البنكية وأنظمة البطاقات الإئتمانية، وحجب لكثير من وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التجارية، ولأن البدائل الرقمية الروسية كانت جاهزة ومتوفرة ومتداولة لم يكن لهذا الأسلوب الحربي أثرا كبيرا كما كان ينتظر.
يمكننا التخيل الآن كيف سيُستخدم الفضاء الرقمي لحروب شاملة دون الحاجة للحروب التقليدية أو بالتزامن معها، فقبل البدء بأي حرب جدية يمكن وبكل بساطة حجب كل الخدمات الإلكترونية من مواقع تواصل اجتماعي وتجاري وشل التعاملات البنكية وأنظمة الملاحة ومحركات البحث ومخازن المعلومات الرقمية، وعندها سنعود للكتب التي بدأنا بالتخلص منها واهمال طباعتها وقراءتها ظنا منا أنا قد تطورنا مع العالم وأصبحنا رقمين، إلا أننا في الحقيقة لم نتعدى مرحلة الحبر والورق دون مساعدة غيرنا وخدماته، حتى أساليب الرد التجارية الشعبية ما كانت لتكون لولا الخدمات الرقمية التي نأخذها من العالم، إن الانحدار إلى الأمام يسمى انحدارا لأن المشكلة في الميلان وليست في الإتجاه.
البدائل الرقمية العربية مطلوبة ويجب العمل عليها منذ الآن من مواقع وبرامج تواصل اجتماعي عربية، منصات تجارية عربية، نظام بنكي عربي موحد، محركات بحث عربية، مخازن معلومات رقمية عربية، البديل العربي الرقمي مطلوب لكل خدمة وموقع رقمي أساسي لاستمرار نمط الحياة الرقمية، ومن ثم يمكن التوسع لتأمين سريان هذه المعلومات الرقمية بسلاسة، وهنا يأتي الدعم الحقيقي من المواطن العربي بتفضيل واعتماد الخيار الرقمي العربي ودعمه، والوطن العربي زاخر بالخبرات البشرية في هذا المجال، وعن الأردن رقميا بالأخص حدث ولا حرج، عملاق عربي رقمي بامتياز.
المجال مفتوح الآن للاستثمار في الأمن العربي الرقمي والحاجة ماسة، والله نسأل أن يحقن دماء أهلنا في غزة وينصر دائما الوطن الغالي قيادة وشعبا والأمة جمعاء.

د. ميسون تليلان السليّم