درس علماء النفس مدى ثبات بعض سمات الشخصية على مر الزمن وتشير نتائج بحوثهم إلى أن بعض السمات كالتعب في سبيل تحقيق هدف ما قد تستمر من عهد الطفولة حتى الكبر غير أن البحوث دلت أيضا على أن شخصية الإنسان دائمة التغير مع تغير التجارب والبيئة.

تزداد دراية الناس على مر الأيام بحقيقة أنفسهم وعالمهم بفضل مراقبة غيرهم من الناس ومشاهدة الأحداث كذلك يتعلمون مباشرة بتجربتهم أنواعا جديدة من السلوك إذ يثابون على بعضها ويعاقبون على بعضها الآخر ويؤثر ذلك في سلوكهم في المستقبل عندما يواجهون حالات مماثلة كذلك يتعلم الناس بمراقبة سلوك الأشخاص الذين يتطلعون إليهم كآبائهم، فعلى سبيل المثال، إذا شاهد الأطفال بأم أعينهم مرارا وتكرارا كيف يجني الكبار ثمرة أعمالهم الإجرامية أو المنافية لنظم المجتمع بدلا من أن يعاقبوا عليها فمن الأرجح أن ينشأوا على هذا السلوك إذ أن لدى الأطفال استعدادا كبير لمحاكاة أفعال الذين يتمتعون بالقوة أو بالقدرة على مكافأتهم أو العناية بهم.

ويقتبس الأطفال أثناء نموهم بعضا من سلوك المعجبين بهم کابائهم وأصدقائهم، ونتيجة لذلك تتكون لديهم أنماطا جديدة من السلوك كذلك يكتسبون مباشرة بفضل المشاهدة ونمو المعرفة لديهم معايير وقيما تساعدهم على ضبط سلوكهم والحكم عليه، هكذا تتكون لديهم تدريجيا مجموعة هائلة من أشكال السلوك الممكن اتباعها لكن شكل السلوك الذي يصدر عنهم يتوقف على عوامل متصلة بحوافزهم.

وتختلف تجارب الناس في اكتساب المعرفة والخبرة الاجتماعية باختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية، التي يعيشونها في بيوتهم ومدارسهم وغيرها من الأماكن، ومع أن معرفة سمات الشخصية تمكن من التكهن بالكثير من جوانب السلوك المهمة إلا أن الظروف المحيطة بالسلوك تكون غالبا خير دليل على تصرفات الناس في المستقبل ورغم الفوارق الهائلة في معظم أفعال الناس فهناك كثير من التشابه والتجانس فيها عندما تؤدي الظروف البيئية دورا قويا جدا فعلى سبيل المثال إذا صادف الإنسان نجاحا عظيما في تجارب جديدة فربما تغلب هذا النجاح على سلبيات الإخفاق في تجارب قديمة وعلى سمات الشخصية عند التكهن بردود الفعل لتلك الحالات الجديدة في المستقبل كذلك قد تؤدي إلى تغيرات بيئية شديدة أو مديدة كقضاء مدة طويلة في المستشفى أو السجن إلى تغييرات عظيمة في شخصية الإنسان ويقال عن الشخص الذي يصعب عليه إقامة علاقات شخصية مع الناس يعاني اضطرابا في شخصيته.

وقد تنطوي بعض ردود الفعل على قلق عظيم ولذا ربما تخلف آثارا كاسحة فعلى سبيل المثال قد يصبح الأطفال الذين يتعرضون لتجربة مريعة مع كلب واحد، خائفين من جميع الكلاب وقد يعمم هذا الخوف فيشمل حيوانات أخرى وحتى أشياء كالشعر أو معطف الفرو ويصبح التخلص من هذه المخاوف أمرا صعبا جدا لأن هؤلاء الناس يحاولون تجنب جميع الأوضاع الباعثة على الخوف وينجم عن ذلك حرمان هؤلاء الناس أنفسهم من فرصة مواجهة تجارب أخرى قد تزيل مخاوفهم، كلمس كلاب غير مؤذية ومن الممكن اكتساب مثل هذه الانفعالات العاطفية بمجرد مشاهدة ردود فعل الخوف لدى الآخرين.

ونتيجة التعلم الاجتماعي، تعمم تجاربنا لتشمل أوضاع جديدة ، ولكنها شبيهة أو مماثلة لكننا نعمم دون تمييز أو تقييد إذ قد يتعود صبي التعبير فعلا عن روح عدوانية في مواضع كثيرة، بما في ذلك المدرسة وميدان اللعب والبيت ولكنه يتعلم أيضا كبح جماح هذه الروح في حالات أخرى عند زيارة جده مثلا»

تغيير الشخصية تقودنا البحوث الجارية حاليا حول سبل اكتساب المعرفة والتعلم الاجتماعي، نحو أشكال جديدة من العلاج النفسي لمساعدة من لديهم مشاكل نفسية وبعض هذه المشاكل وليدة التخلف التعليمي مثلا هنالك أناس يفتقرون إلى معرفة أي حرفة أو لم يتلقوا تعليم رسميا فيعجزون عن القراءة والكتابة وهنالك أناس يجهلون أصول التعامل مع الآخرين وعليهم تعلم مهارات ضرورية في المعاملات الشخصية وقد يتحلى بعض الناس بهذه المهارات الأساسية ولكنهم عاجزون عن استعمالها بسبب المخاوف الانفعالية وموانع الكبت.

لقراءة المقال في جريدة الدستور

لقراءة المقال في موقع عمون