إن الكاريزما منطق والمنطق كاريزما والمساهمة في تكوين الشخصية المقبولة تستدعي تلخيص فاعلية كل من الوراثة والمحيط وطريقة عملها في تكوين إنسان ذي ملامح وسمات معينة، تتقصد إنتاجه وتستهدف نشر المعرفة الخاصة بطريقة وقائية من كل عامل أو سبب يؤدي به إلى مجانية القصد والهدف من إنتاجه.
وقبل أن ندخل في صميم التوصيات الرسالية التي تضع أيدينا على الطريق السليم، لا بد أن نسلم بما سلم به علماء الوراثة والمحيط من حقائق أساسية في تفاعل هذين العاملين وتظافر جهودهما في صياغة الإنسان الذي نريده وننشده، فالله يجري الأمور على ما يقتضيه لا على ما ترتضيه.
ولا نستطيع نحن تجاوز السنن والنواميس التي وضعها الله تعالى منهجا للكون والحياة فنفشل في جهدنا دون طائل، والإمام علي رضي الله عنه يقول من كابر الزمان غلب. لذا فلا بد لنا من الرجوع إلى حقائق العلم والتجربة و التي كشفت حقيقة العوامل الدخيلة في صناعة الإنسان وعلمته أنجح سبيل الاختيار وحفزته على اجتذاب الطرق التي لا تؤدي إلا إلى ضعف المجتمع ودماره وتدهور بنيته.
ومن هذه الحقائق التي على ضوئها نقدر على تخير السبيل الصحيح إن عاملي الوراثة والمحيط يعملان متكاملين متعاضدين لا متنافرين متضادين فالمحيط الجيد يستطيع أن يخفف الأثر السيء للوراثة السيئة، وإن الوراثة الجيدة تستطيع أن تقي الإنسان من شرور المحيط السيء إلى حد بعيد، وإن المشكلة الكبرى هي في اجتماع محيط سيء ووراثة سيئة في إنسان بعينه والسعادة الكبرى إنما تكون في اجتماع وراثة جيدة ومحيط جيد في إنسان بعينه كما ان المحيط الجيد يرافق عادة الوراثة الجيدة وان المحيط السيء يرافق عادة الوراثة السيئة، فأبناء الطبقات الفقيرة لا يرثون في المعتاد قدرات عقلية متواضعة فحسب بل يرثون أيضا مفاهيم أخلاقية فقيرة وحياة مادية مدقعة وطرائق تعامل غير مقبولة اجتماعية، وذلك لأن الفقر ملازم لحالة اجتماعية متأخرة وصحية متردية وتعليمية متدنية، والفقير مشغول بهمة الاقتصادي لا يكون على شيء أكثر من حاجاته الغريزية الأساسية. كما إن تعاقب الأجيال يزيد حسن الحسن وسوء السيء حتى يأتي زمن يكون الفارق كثيرة بين الاثنين، فالطفل الذي يولد بوراثة جيدة وفي بيئة غنية مادية وأخلاقيا تهيء له الفرص لاستغلال مواهبه وتفتيحها وتنميتها ثم يزوج بزوجة مقارنة له في الذكاء واليسر الاقتصادي والأخلاقي فيتزايد على الأيام ارتقاء نسلهما، أما الطفل ذو الوراثة السيئة المولود في بيئة فقيرة متأخرة اجتماعية فيأتمر به الغباء وسوء الأخلاق والفقر ليدفعاه إلى الزواج بمن هي أغبي منه وأفقر ولتلد له – في الأعم الأغلب – مولودة يتزايد غباؤه وتأخره فيقف هذا قريبا من الخطيئة والجريمة والشذوذ والجنوح إن الطفل لا يرث جسد والديه وقدراتهم الفطرية وقصورهم العضوي البنائي فحسب، ولكنه يرث إلى جانب ذلك طريقتهم في الحياة وتعاملهم ومفاهيمهم الاجتماعية والأخلاقية ومعتقداتهم الدينية والسياسية ومواقفهم في الحياة ولذلك فنحن نرى غالبا أن ابن العصبي يكون عصبية وابن المتدين يكون متدينة وهكذا، كما نرى أن هناك عوائل اشتهرت بالمرح أو التعصب أو سرعة الغضب أو التحسس الفائق أو التزمت في تعاملها وعرفت بين الناس بمثل هذه السمات البارزة.كما إن ما يورث من الآباء إلى الأبناء هو ما كان على صلة ببناء العضوية وأصل تكوينها لا ما طرأ عليها خلال حياتها القصيرة ولم يؤثر في طبيعة بنائها، وهذا يعني أن ما يورث حقا كضعف البنية وتشوه مراكز الدماغ كما يورث المواهب الفائقة أو القدرات الضعيفة، والذي يبقى لعمل المحيط هو إبراز هذه المواهب الموروثة وتنميتها أو خنقها وطمسها، وكذلك يبقى للمحيط أن يؤثر – على مر الأجيال – في تحسين وراثة الأبناء أو إساءتها عبر الأجيال. ولذلك من يستورث من والديه ضعفه العقلي وغباءه لا تستطيع عوامل المحيط أن تقدم له معونة تذكر، فالقصور العقلي مسألة وراثية، والشذوذ يورث إذا كان أصله بدائية، أما الإجرام فبالرغم من إمكان نشوئه عن أسباب جسدية مادية، إلا أنه يرجع في معظمه لى أسباب محيطية وأما الجنوح فينطبق عليه ما ينطق على الشذوذ بمعنى أنه وراثي حين يكون على صلة بأسباب بنائية.
لقراءة المقال في جريدة الدستور