إن الظواهر السلوكية لغة بيولوجية في منطق الشخصية الملهمة فكثير من الظواهر السلوكية التي كنا نظنها سابقا ذات منشأ بيولوجي وراثي اتضح الآن أنها متأثرة بثقافة المجتمع، فقد كان الكثيرون يعتقدون أن مرحلة المراهقة في كل زمان ومكان مرحلة مشكلات نفسية وصراعات ترجع إلى التغيرات البيولوجية العنيفة التي يمر بها المراهق، دون اعتبار لثقافة المجتمع التي ينتمي إليه المراهق حتى ظهرت نتائج البحوث الأنثروبولوجية الحديثة فأثبتت حقيقة كون المراهقة ليست مرحلة تأزم بل مرحلة امينة سهلة تخلو من الصراعات والأمراض النفسية والتمرد في كثير من الشعوب البدائية، وأرجعوا سبب ذلك إلى أن المجتمعات البدائية كانت تتسامح إزاء المراهق منذ بدء مراهقته وتتيح له فرصة الاضطلاع بأعباء الكبار وأدوارهم الاقتصادية والاجتماعية والجنسية والدينية، فكأن المراهقة المتأزمة متأتية من طريقة معاملتنا ونظرتنا لها، فالتقيد الاجتماعي والجنسي والاقتصادي للمراهق ومصادرة رغبته في الاستقلال وعدم منحه الاعتماد اللازم هي التي تدفع بالمراهق للتمرد والعصيان.

وقد عثر علماء الأنثروبولوجيا على ثقافات اتسمت فيها شخصيات الرجال بالسمات الانثوية كحالة الاستسلام والإذعان والطاعة، فيما اتسمت الإناث بسمات الرجال وتحلين بالسيطرة والنشاط العدواني ، فقد وجدت (مرغريت ميد) إن المثل الأعلى للرجل في قبيلة (او ابش) في غينيا الجديدة هو الرجل الوديع الرقيق الطبع المسالم السلبي، كذلك حال المرأة، بحيث يمكن القول بعدم وجود فوارق بين الجنسين في هذه القبيلة إن كلا الجنسين ذو طبع أنثوي لين.

أما المثل الأعلى للرجل في قبيلة تجاورها لكن تختلف عنها في الثقافة هي قبيلة (موندر جومر) فهو الرجل الخشن الغليظ العدواني المقاتل المنتقم، وكذلك المرأة فهي تقوم بكل أعمال الرجل ولها مثل صفاته، أما في قبيلة تشامبولي) التي تجاور هاتين القبيلتين فينقلب دور الرجل والمرأة فيها عما هو مألوف في مجتمعنا، حيث تكون المرأة هي العنصر المسيطر الغالب التصرف في كل الأمور، فهي تصيد السمك وتنسج الشباك وتقوم بالأدوار الشاقة في حين يتعهد رجال القبيلة بشؤون الأطفال وينصرفون إلى الاهتمام بالرقص والحفر والنقش وغيرها مما لا تهتم به المرأة هناك.

لقراءة المقال في جريدة الدستور