ان ادارة الدولة للاقتصاد بطريقة نظرية بحتة وعلى الورق عرضتها وستعرضها لصفعات متتالية وعمليات الرفع للأسعار سيؤدي الى اصابة مؤشر القوة الشرائية بالعجز اكثر، وهذا يعود لخروج قسري لمستهلكين لن يكون بمقدورهم الاستمرار بشراء السلعة التي رفع سعرها، وخروجهم خارج الدائرة بالتالي سيقود الى نقص في مدخولات الخزينة وسيفاجئ من يدير الملف الاقتصادي في البلد بان الواقع عكس التوقعات، وان حجم المداخيل من الرسوم والضرائب منخفضة جدا وهذا عائد لأن من يدير هذا الملف يديره على الورق فقط.
ان رفع الأسعار في ظل شح السيولة المالية يوقف العجلة الاقتصادية ،وستكون المفاجأة بعد كل رفعة اضافية، نقص في واردات الخزينة ،وذلك لارتباطه بأسباب اجتماعية اهملت تماما من حسابات خبراءنا الاقتصاديين، واصرارهم على التعامل مع النقص بالأرقام فقط من رفع لأسعار السلع او زيادة الضرائب بشكل عام لتعويض النقص في واردات الخزينة ليكون المواطن هو الحل وتحميله فشل سياسات الحكومات المتعاقبة في ادارة الملف الاقتصادي للدولة.
ان الأردن يتاثر بالمتغيرات العالمية التي عصفت بالعالم خلال السنوات الاربع الماضية من تحديات كبيرة وخطيرة انعكست على معظم اوضاعه ومؤشراته الرئيسية من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين الى تدهور الأوضاع الصحية التي أدت الى تدهور في الأوضاع الاقتصادية العالمية نتيجة جائحة كوفيد-19 ليسجل معدلات سالبة وصلت الى نحو -3.03 % في عام 2020 بالمقارنة مع 2.2% في عام 2019، وبذلك فقد معدل النمو نحو 6 نقاط بسبب الجائحة.
ونتيجة لسياسات الدعم وحزم الانقاذ الغير مسبوقة للسياسات المالية والنقدية منذ تفشي الجائحة لنشر اللقاحات بوتيرة متسارعة، عاد النمو الأقتصادي في عام 2021 ليصل الى 5.5% عالميا.
من المتوقع أن يشهد الأقتصاد العالمي تباطؤا حادا وقويا نتيجة لأرتفاع مستويات التضخم الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتي أدت الى تداعيات انسانية وابطاء واضح في وتيرة النمو الاقتصادي وتزايد في معدلات التضخم وتآكل للدخول وتدني مؤشر القوة الشرائية .
ان ارتفاع الاسعار مرتبط بعامل مهم جدا الا وهو القوة الشرائية للدينار، فالقوة الشرائية تعرف بانها كمية السلع والخدمات التي يكون بمقدور فرد ان يشتريها بواسطة دخله المتاح خلال فترة زمنية محددة (شهر او سنة) وهو ما يعبر عن مستوى معيشتهم، حيث ترتبط القوة الشرائية بمحددين اساسيين هما مستوى الدخل المتاح للفرد وتدخل فيه جميع الموارد الممكنة من الاجور والتعويضات العائلية والاجتماعية والمستوى العام للاسعار.
التضخم الناتج عن زيادة مستمرة في الاسعار لا يرافقها زيادة في الدخل تطور القوة الشرائية فهي محصلة الفرق بين تطور الدخل وتطور الأسعار، وبناء عليه يمكن القول إنه توجد علاقة عكسية واضحة بين القوة الشرائية من جهة والتضخم من جهة أخرى، فتطورهما يسير في اتجاهين متباينين، فإذا حصل ارتفاع في الأسعار مثلا بينما بقيت الأجور ثابتة أو ارتفعت الأجور بمعدل أقل من معدل التضخم فان القوة الشرائية للمواطنين تكون قد تآكلت وانخفضت القيمة الحقيقية لاجورهم، ولا يخفى على احد ان التضخم الناتج عن الارتفاع المستمر للاسعار ولا يرافقه ارتفاع مستمر في الاجور هو عدو للقوة الشرائية وباب من ابواب افقار الناس، وهذا ما دعا كثيرا من البلدان في العالم لمحاربة التضخم وسعيها الحثيث وراء التحكم في الاسعار وضمان استقراره.
أما الاقتصاد الأردني الذي يعاني من تحديات تتمثل في ضعف هيكل الانتاج وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام الداخلي والخارجي والتحدي الكبير الذي يواجهه الاقتصاد الأردني هو حجم البطالة الغير مسبوقة، بالاضافة الى ارتفاع بمعدلات الضرائب وخصوصا غير المباشرة منها يعني على السلع الأساسية التي تصيب الجميع، وارتفاع مستمر في الأسعار أدى الى ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) في الثلث الأول من العام الحالي ليصل الى 2.62% بالتالي تدني بالقوة الشرائية وشح في السيولة النقدية.
على الخبراء الاقتصاديين دراسة واقع الحال جيدا متخذين العامل الاجتماعي بعين الاعتبار ومحاولة ايجاد طرق أخرى مبتكرة لتعويض نقص الخزينة بدل جيب المواطن، أما الآن نستطيع القول بان الحكومة الأردنية غير قادرة بسياساتها لغاية الآن التعامل مع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الا اللجوء لفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار على الشعب المنهك بهدف تعويض نقص الخزينة دون البحث عن حلول مبتكرة واستمرارية حكومات الجباية لا يوجد لديها سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة للتعامل مع المشاكل الاقتصادية التي تتراكم آثارها الاجتماعية.
ماذا لو خفضت الحكومة الأسعار على السلع بشكل عام، ألن يقود ذلك الى زيادة الطلب الكلي على السلع نتيجة زيادة القوة الشرائية للدينار وبالتالي سيعوض نقص الخزينة، وماذا لو تم مراجعة الضرائب كضريبة الدخل، أليس من الممكن ان تساهم في تعظيم الانتاج الوطني والاستهلاك وبالتالي زيادة الانتاج.
سيكون هناك فجوة كبيرة جدا بين توقعات الحكومة من مدخولاتها من الضرائب والرسوم اذا استمرت بنهج الرفع لتعويض فجوات النقص، لأن للرفع آثار سلبية اقتصادية واجتماعية، و اتوقع اذا تم كما قيل “أربع رفعات .. بأربع صفعات” .
د. ميسون تليلان السليّم
رئيسة الاتحاد النسائي الأردني العام