إن الحضور بالمعنى الفلسفي للكلمة من أبرز سمات الكاريزما فالأصول العقلية عند الإنسان جذور وراثية صارخة، هي موضع تسليم معظم الباحثين النفسيين كما أنها تخضع لوراثة طارئة في نطاق (رحم الأم)، مضافة إلى ذلك أن البيئة لها نصيبها من التأثير في هذا الشأن أيضا، فالقدرات العقلية في الإنسان تتميز بأصولها الوراثية والتربية وعواملها تؤثر فيها إيجابية فيما لو كانت تسمح الأصول الوراثية بذلك.

غير أن نسبة الذكاء في الإنسان تنبع أصولها الوراثية المتفاوتة في الأفراد فحين تزداد نسبتها يكون الإنسان عبقري نبيه يشار له بالعقل والحكمة والنباهة، وحينما تنقص يكون الفرد عادية أو دون العادي، والعاديون في ذكائهم يحتاجون إلى مزيد جهد ورعاية حتى تستغل مقادير ذكائهم القليلة إلى أقصى حدودها الممكنة.

حديثنا المتقدم عن وراثية الاستعدادات العقلية تظل مبدأ عاما للاستعدادات النفسية أيضا، وإذا كانت المباحث النفسية تصطنع فارق بين الاستعدادات العقلية والنفسية نم حيث شمول الطابع الوراثي للقدرات العقلية وفق نسب مختلفة وتراجع العامل الوراثي للسمات النفسية، إنما تصطنع ذلك لأن تجارب تلك الأبحاث والدراسات دللت حتى الآن علميا بإمكانية خضوع السمات العقلية للوراثة بنسبة أكبر حجما بالقياس إلى السمات النفسية، وحيث ان السمات النفسية تتأثر بالبيئة وعواملها بشكل أكبر ان السمات الفكرية أو (الاتجاه)

و السمات النفسية الخالصة وهما من السمات التي يرثها الإنسان من آبائه شأنه في ذلك شأن سائر الأصول العضوية والحيوية والعقلية التي يرثها منهم أيضا والأصل الفطري يحدد مقدار استعداد الفرد وإمكاناته للتوجه تجاه خاصة أو الإنصاف بصفة أو سمة أخلاقية معينة، تبعا لنمط التربية التي ترعاه وتغمره والمجتمع الذي يدليه ويرشده.

وحين تتعارض هذه الاستعدادات النفسية في جينات كل من الأب والأم يكون الظهور للاستعدادات الأنشط والأقوى، فتغلب على الأخرىويترك الإشارة إلى تأثير الوراثة فيها، وحقيقة الأمر أن الأصول النفسية لأخلاقية الفرد ترجع إلى نوعين من السمات، وهي السمات المزاجية والسمات الأخلاقية، فالانطواء والانبساط مثلا يعبران عن سمات مزاجية والمزاج الفردي كما ذكرنا سابقا هو جملة الصفات التي تميز انفعالات الفرد عن غيره ولذلك فهو يؤلف جانبا تكوينية من شخصيته، وهو جانب يعتمد في المقام الأول على عوامل وراثية تتعلق بحالة الجهازين العصبي والغددي الهرموني، ومن هذه الصفات المزاجية مستوى الحيوية والنشاط والمرح أو العبوس ، والخجل ودرجة الحساسية للمثيرات، والاندفاعية وتقلب المزاج وكل هذه الصفات تقوم بدور هام في تلوين السلوك وأساليب التكيف التي يصطنعها الفرد لنفسه.

لذلك فإن الاستعدادات المزاجية التي يرثها الأفراد عن آبائهم هي القابلات التي تقبل عن المحيط ومؤثرات التربية ما يوافقها وينعشها وينميها، وما الصفات الأخلاقية إلا ظواهر لتلك الموروثات ودلائل تشير عن ماهيتها لنستمع إذا فالسمات الأخلاقية التي نجدها في الأفراد تحركها أصلا استعدادات موروثة سواء ما كان منها استعدادات أو أصول عقلية أو مزاجية نفسية ، وتنشيط تلك الصفات أو تخفيفها عوامل الوراثة الطارئة في رحم الأم، في حين تتكفل عوامل التنشئة التربوية والمحيطية بتحديد نوع السمة الأخلاقية التي يتحلى بها الفرد على ضوء الموروثات التي يرثها الفرد من أسلافه بما فيها قدرته على التمييز والاختيار وإرادته على الحسم أو التردد.

يقول الكيس كارل في كتابه «الإنسان ذلك المجهول» عن تأثير كل من الموروثات العقلية والنفسيه على الوضع النفسي والأخلاقي للإنسان بإن المراكز المخية لا تتكون نم المادة العصبية فحسب بل إنها تشتمل أيضا على سوائل غطست فيها الخلايا، وينظم تأليفها بواسطة مصل الدم، ويحتوي مصل الدم على إفرازات الغدد، والنسيج الذي ينتشر في الجسم كله، ولما كان كل عضو موجودا في النخاع الشوكي بواسطة الدم والليمفا، فإن حالاتنا الشعورية مرتبطة بالتركيب الكيميائي لأخلاط العقل مثل ارتباطها بالحالة التركيبية لخلاياه، وحينما يحرم الوسيط العضوي من إفرازات غدد (السوبر ارينال) فإن المريض يسقط فريسة للانقباض الشديد، ويشبه حيوانا شرسا، وتؤدي الاضطرابات الوظيفية لغدة الثايرويد إما إلى الهياج العصبي والعقلي و إلى البلادة وفقد الإحساس ، وقد وجد معتوهون وضعاف عقول ومجرمون في أسر أصبح تغير تركيب هذه الغدة فيها بسبب إصابتها بجروح أو بأمراض مسألة وراثية.

لقراءة المقال في جريدة الدستور