لا يخفى على القاصي و الداني أن التجربة الحزبية وإن كانت قديمة في الأردن وتعود إلى مرحلة مبكرة من عمر الإمارة إلى أنّها عانت من مراحل انقطاع طويلة حال دون استمرارها وتسلسلها وانسجامها مع الثقافة السياسية والاجتماعية، ونظرا لضعف الثقة او حتى انعدامها في فترة من الفترات في الأحزاب تمثلت في جلّها في التخوّف الأمني من الممارسة الحزبية والانتساب للأحزاب ولوجود شكوك كبيرة لدى غالبية المواطنين من استمرار التجربة وتطورها، وضعف الثقافة الحزبية حتى في أوساط الأحزاب السياسية الجديدة، ولّد حاجة ماسة للتصرّف الفوري في م?ف الثقافة الحزبية وتحقيق حلم الحكومة البرلمانية التي ربما تأخرنا كثيراً في الوصول اليها.

إن الممارس للسياسة الداخلية في هذا الوطن الحبيب يجبر على منطق ثنائي في أن يفترض السيناريو السلبي قبل الإيجابي، مع ان السيناريو الإيجابي هو المسار السليم للوصول للهدف المنشود وتعويض الخسران في ما مضى إلا أن السيناريو السلبي بمثابة كابوس مزعج أبرز مخرجاته هو مصادرة إرادة شعبية منهكة بالأصل وفاقدة لثقة التمثيل على كافة الصعد وبكل أشكاله.
إن الداعي لمثل هذا التساؤل النابع من الخوف الشديد على مصلحة بلد وشعب يستحق كل الخير، هو الطريقة المتبعة في إنجاح هذه التجربة الحزبية من خلال التمثيل النسبي للأحزاب في البرلمان وصولاً إلى المئوية الكاملة.

نحن ربما نعرف ماذا إن نجحت التجربة الحزبية الجديدة ولكن ماذا إن فشلت، أخشى إنه لا يمكننا التراجع أو أن نعود لمستويات أقل مما نحن فيه الآن..

مع بداية المئوية الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية بدأنا مشروع الإصلاح السياسي بنبراس مضيء مشع أشعله جلالة الملك حفظه الله بتوجهات تحتاج الى خطط واضحة المعالم للوصول الى الهدف المنشود وكان أبرز بنود هذا المشروع الاصلاحي إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية على نحو يضمن الأهداف والطموحات المرجوة في المستقبل، والخروج بإطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة قادرة على إقناع الناخبين بطروحاتها، للوصول إلى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية، والتأسيس لمرحلة متقدمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذية ل?سؤولياتها استنادا لقواعد وأحكام الدستور الأردني العتيد، والاهتمام بدور الشباب والبحث في السبل الكفيلة لتحفيز مشاركتهم في الحياة الحزبية والبرلمانية، وتمكين المرأة الأردنية من المشاركة الفاعلة، وتعزيز قيم المواطنة، حقوقا وواجبات والحريات المكفولة بالتشريعات، والالتزام التام بمبدأ سيادة القانون.

ويجب أن لا يغفل جميع العاملين على إنجاح هذه التجربة عن التركيبة البيولوجية لهذه الأرض ولهذا الشعب، فالمجتمع الأردني متعدد المرجعيات و متفاوت في نسبية تغليب هذه المرجعيات، فالمرجعيات التي تحكم نسيج المجتمع الأردني متعددة تراوح بين الاسرة والعشيرة والمناطقية والوطن ككل والدين والتحزبات والايديولوجيات المختلفة، وقد تكون العشيرة أقواها، فالعشائرية في الأردن مكون اساسي في النسيج المجتمعي رافقها منذ بداية تأسيسها وله اهمية كبيرة اجتماعيا وسياسيا و قد تندرج تحته المرجعيات الأخرى.

إن تعدد المرجعيات في الكثير من المجتمعات يعتبر ظاهرة صحية، ولكن البناء الفكري والثقافي هو من يحدد جانب التغليب في هذه المرجعيات، وكيف يمكن أن تسير بخطى متوازية ولا تتعارض، وقد لاحظ الجميع وجود خطأ تنفيذي على مدار عقود تمثل في إحلال احدى المرجعيات مكان أخرى كإحلال الأحزاب بديلاً عن العشائرية بدلاً من التصالح المرجعي والاستفادة من التعدد في أن تكون كل مرجعية هي رافد مهم للمرجعيات الأخرى.

ماذا إن نجحت التجربة الحزبية! ماهي الاثار التي سيلمسها المواطن! وماهي الإصلاحات التي يمكن أن تتحقق على ارض الواقع! وهل يوجد خطط تنفيذية لتكون الخطوة المكملة للتجربة الحزبية الجديدة! و إن كان، فما مدى ضمان وفعالية الانشطة الحزبية والبرامج الحزبية في النتائج الملموسة على ارض الواقع وانعكاساتها على مسيرة الاصلاح السياسي.

لقراءة المقال في جريدة الرأي