بداية أود توضيح المعنى الحرفي لهذين المصطلحين السياسيين قبل الخوض في الحديث عن ماهيتهما وتوابعهما التاريخية.
البيريسترويكا بالروسية تتكون من مقطعين(بيري – ويعني إعادة) و (سترويكا – وتعني بناء) بمعنى (إعادة بناء)، أما الغلاسنوست فتعني (الشفافية).
البريسترويكا والغلاسنوست والتجربة السوفيتية.
قبل قرابة ال 35 عاما وبعد وصول غورباتشوف إلى رئاسة الإتحاد السوفيتي أعلن هذا الرئيس الشاب (نسبة للقيادات السوفيتية التقليدية آنذاك) عن نيته في إحداث تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية أو كما يُقال بالروسية (الريفورمات) بعد أن ساد الكساد الاقتصادي والفساد الاجتماعي المتمثل بالظلم والتسلّط الاجتماعي خصوصا على طبقة الكادحين (الكالخوز) الزراعيين والصناعيين، فأعلن عن البيريسترويكا والغلاسنوست والتي أدت إلى تغييرات كبيرة وسريعة ليس فقط على الإتحاد السوفيتي بل وعلى العالم أجمع، انتهاء الحرب الباردة، سقوط ما وصفه ونستون تشيرتشل بالستار الحديدي (مجموعة من الحواجز والقيود التجارية السوفيتية الصارمة التي عزلت البلاد عن العالم) سقوط جدار برلين، سقوط الكتلة الشرقية (الإشتراكية)، وفي آخر المطاف انهيار الإتحاد السوفيتي واختفاءه عن الخريطة عام 1991 وايجاد الواقع الحالي المتمثل بروسيا الإتحادية كوريث للإتحاد السوفيتي و مجموعة من الدول المستقلة التي انسلخت في غالبيتها عن النسيج السوفيتي وحاولت ايجاد واقع جديد.
المدهش في البيريسترويكا السوفيتية سرعتها في إحداث التغيير، المواطن السوفيتي كان يعتقد أن مجموعة العقائد السياسية والاقتصادية والاجتماعية السوفيتية آنذاك واقع أبدي يستحيل تغييره، وكثير منهم يستذكر سرعة التغيير والتي فاقت كل التوقعات إلى أن خرجت عن السيطرة وأدت إلى انهيار الإتحاد السوفيتي في آخر المطاف.
السياسيون السوفيت يعرفون جيدا تفاصيل عملية البريسترويكا والغلاسنوست وكيف أدّت إلى إنهيار الإتحاد السوفيتي، ومختصر القول أن الفكرة كانت مثالية لكن المشكلة كانت في طريقة التطبيق وآثاره الفعلية على واقع الدولة.
منظومة الإصلاحات الأردنية الجاري العمل عليها.
عندما وصلني حديث بعض السياسيين الأردنيين عن رغبتهم في نسخة عربية من البيريسترويكا والغلاسنوست استغربت واحترت في القصد من هذا الكلام، فهل المقصود فعلا «نسخة» من البيريسترويكا والغلاسنوست؟ أم أنّ المقصود كان المعنى الحرفي لهذين المصطلحين دون استنساخ التجربة؟ و إذا كان المقصود هو المصطلحات حرفيا لكان الأجدر استخدام هذه المصطلحات السياسية دون استخدام كلمة «نسخة» حيث أن نسخة تعني استنساخ التجربة بكامل حيثياتها.
الدولة الأردنية تعرف جيدا مفاتيح الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، و الأساس التشريعي للعقائد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ثابت ومتطور وليس بحاجة إلا إلى بعض التعديلات والإصلاحات هنا وهناك، المشكلة الحقيقية في آلية التطبيق ابتداءا من محاربة البيروقراطية والمحسوبية مرورا بالتأهيل الإداري الجيد وإيلاء المناصب لمن يستحقها بعيدا عن أي اعتبارات ديموغرافية أو أيدولوجية وإيجاد سياسات تضمن التطبيق الصحيح للقوانين ومحاربة المتغولين على القانون سواءا بسلاح «الواسطة و المحسوبية» أو بسلاح «البيروقراطية» لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.
لقراءة المقال في جريدة الدستور